لا إِله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ---- حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ---- رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا رسولا ---- لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ---- يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ---- وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

هل سنستمر؟؟؟

الحمد لله الذي يسرنا لليسرى, وشرح صدورنا للذكرى, وجعل زهرات متفتقة من هذا البلد الحبيب تطمح بل تحث على إصدار مجلة بالمدرسة, يطلقون فيها العنان لأقلامهم الحرة, ولأفكارهم البريئة, ويفجرون كل ما يحملونه بين ضلوعهم من مواهب تكاد تنفجر أو أخالها كذلك؛ وفي خِضَمِّ التفكير والمقارنة بين هذا المطلب الطلابي – الذي أراه موضوعيا وإن كان ليس جديا – وبين صعوبة المهمة وكثرة المشاغل, جال في خاطري قول الشافعى محمد ابن إدريس رحمه الله ( إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل ). وجدتُني مائلا إلى أن أشغل هؤلاء الطلبة بموضوعات يحررونها, وخواطر يدونونها, وظواهر اجتماعية يعالجونها, وأفكار يَزِنونها. وافقت على إصدار عدد تجريبي من هذه المجلة!! وافقت وفي قلبي شيء من الإستمرارية!!!
لأنه من خلال تجربتي المتواضعة في الأعمال الثقافية رأيت الإندفاع والحماسة في بداية كل عمل ثقافي, لكنه كسحابة صيف سرعان ما تنقشع ويظهر الصفاء... ويقف المشروع في بداية الأشغال لأننا نعاني من الإستمرارية. فهل سنستمر؟؟؟

( كانت هذه افتتاحية العدد التجريبي من مجلة الذكرى) بقلم رئيس التحرير: ع / ماموني

الخميس، 18 ديسمبر 2014

المولد النبوي الشريف (خطبة)



الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ لله ، أحمدُكَ ربِّي كما ينبغي لجلال ِوجهكَ وعظيم ِسُلطانِكَ ، لكَ الحمدُ مِلأ َ السماواتِ والأرض ِ، ومِلأ َما شئتَ من شيءٍ بعدَهُمَا، لكَ العُتبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوة َ إلاَّ بك . وأصلي وأسلمُ على نـبيِّكَ الأواهِ ، الرحمةِ المُهداهِ ، محمدٍ بن ِعبدِ اللهِ ، صاحبِ الرسالةِ المُجتباةِ ، والأمَّةِ المُصطفاةِ ، وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ ومن والاهُ ، صلاة ًدائمة ًطيبة ًمباركاً فيها . وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، القائلُ في كتابهِ المبين ِ( لقد مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذ بَعَثَ فيهم رسولا ًمِن أنفسهم يتلوا عليهم آياتِهِ ويُزكيهم ويُعلمُهُمُ الكتابَ والحِكمة َوإن كانوا من قبلُ لفي ضلال ٍمبين {164}) آل عمران .
وأشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُهُ ورسولـُهُ ، وصفيُّهُ من خيرةِ خلقهِ وخليلـُهُ، بَلـَّغ َرسالتهُ، وأدَّى أمانتـَهُ، ونصحَ أمَّتـَهُ فقالَ : ( تركتـُكُم على مِحَجَّةٍ بيضاءَ ليلِـهَا كنهارِهَا لا يزيغُ عنها إلاَّ هالك، ولا يتنكـَّبُهَا إلاَّ ضالٌ أو مُضل)  صلى عليكَ اللهُ يا علمَ الهُدى ، وإمامَ التقى، ما هبتِ النسائمُ، وما ناحت على الأيكِ الحمائمُ  وبعدُ أيُّها المُسلمونَ : يا أمَّة َالهادي محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَصغوا بقلوبـِكم، واحفظوا بصدورِكُم قولَ ربكم : ( لقد جاءَكم رسولٌ مِنْ أنفسِكُم عزيزٌ عليهِ ما عنِتـُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم{128}) التوبة .
اللهُ أكبرُ يا نبيَّ اللهِ ما أعظمكَ عندَ ربِّكَ، وعندَ مَن عَظـَّمَكَ.  أسماءٌ من أسمائِهِ الحُسنى سمَّاها لِنبيِّ الرحمةِ والهدى ، فغاية ُإرسالِهِ أنهُ رحمة ٌ للعالمينََ ، وهداية ٌللموقنينَ,لأنهُ كما مَدَحَهُ ربُّهُ،عزيزٌ ورؤوفٌ ورحيمٌ ، وغيرِهَا منَ الأوصافِ التي ما وَصَفهَا لنبي ٍقبلـَهُ قط , وكلـُّهُم كـُرَماءُ على اللهِ ، ولكنـَّهُ أكرَمُ الأكرمينَ ، وسيدُ المُرسلينَ، محمدٌ وأحمدٌ ومحمودٌ في العالمين. و واللهِ لو جازَ لنا أن نسجدَ لأحدٍ غيرِ اللهِ لسجدنا لهُ ، لِرفعةِ منزلتِـهِ ، وعِظم ِشأنِـهِ ، وعُلوِ كعبـِهِ .أيُّها الإخوة ُالأحبَّة ُ: ذكرَ ابنُ هشام ٍفي سيرَتِهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وُلِدَ يَومَ الإثنين ِلاثني عَشْرَة َ ليلةٍ خَلتْ، من شهرِ ربيع ٍالأول ِلعام ِالفيل ِ.
وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ وَفمُ الزمان ِتبسُّمٌ وثناءُ
أجلْ،أكرمَ اللهُ الخلقَ بمولدِهِ،فهلت بهِ بشائرُ الإسلام ِالعالميِّ العظيم، فقد كانَ عليهِ السلامُ خاتمَ النبيينَ لآخرِ وخيرِ أمَّةٍ أخرجتْ للناس ِأجمعين .
وقد قالَ اللهُ تباركَ وتعالى بحقـِّهِ: (يا أيُّها النبيُّ إنا أرسلناكَ شاهداً ومبشراً ونذيراً{45} وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً منيراً{46}) الأحزاب . وُلدَ الحبيبُ المُصطفى، فاصطفاهُ ربُّهُ من خِيرَةِ خلقهِ واجتباهُ، فكانَ المُصطصفى . ولم يجعل ِاللهُ في الكون ِكلـِّهِ رجلاً مَحلَّ تأس ٍوإقتداءٍ إلاَّ هو. كيفَ لا وقد قالَ فيهِ ربُّهُ جلَّ في عُلاهُ: ( لقد كانَ لكم في رسول ِ اللهِ أسوة ٌحَسَنة ٌ لمن كانَ يرجوا اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيراً{21} ) الأحزاب. فهوَ النـَّـبيُّ المُوحى إليهِ من ربِّهِ. إخوتي وأحبَّـتي : تهلُّ علينا يومَ غدٍ السبتِ ذكرى مولدِ الهادي عليهِ السلامُ . وكالعادةِ في مثل ِهذا اليوم ِيقومُ الأمراءُ والعلماءُ بقصِّ الشريطِ لتبدأَالإحتفالاتُ بمولدهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ , فتقامُ الموالدُ، وترتلُ الموشحاتُ والقصائد ، وسيجعلوهُ السندَ، ويرجُونهُ المددَ، حتى يكادُوا يُألهونهُ، وستقومُ الدولُ العربية ُبتعطيل ِالمؤسساتِ والدوائرِ الحكوميةِ، لتـُغلـَقَ المدارسُ والمعاهدُ والجامعاتُ بمناسبةِ هذهِ الذكرى، وقد جعلوا منها عيداً جديداً أسمَوْهُ عيدَ المولدِ النبويِّ. مخالفينَ بفِعلهم هذا, هَديَ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، بَدَلَ أن تـُستغلَّ مثلُ هذهِ المواقفِ كما فعلَ صاحبُ الذكرى، حيثُ كانَ يتقصدُ الحجيجَ، ويغشى الناسَ بالأفراح ِ والأتراح ِوالمناسباتِ، يدعوهُم لعبادةِ اللهِ على بصيرةٍ . والواجبُ علينا أنْ نجعلَ من هذهِ الذكرى العَطِرَةِ موقفاً مَعَ الذاتِ لمحاسبةِ النفس ِعلى ما فرَّطـَتْ في جنبِ اللهِ ورسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ صاحبِ الذكرى . أيُّها الناسُ: كانَ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ نبياً ورسولاً، وكانَ بشراً كسائرِ البشرِ، وكانَ زوجاً، وحاكماً، وقاضياً، وأميراً للجهادِ . وقد أوصَانا قبلَ موتِهِ بوصَايا غالياتٍ, وَحَذرَنا مخالفة َأمرهِ. أوَليسَ منَ الحِكمَةِ والإنصافِ ، أن نلتزمَ وصَايا سيدِ الناس ِ.
وَهَاكُمْ بعضٌ من وصاياهُ المأمورينَ باتباعِهَا.  يقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهِ فلن تضلوا بعدي أبداً، كتابَ اللهِ وَسُنتي) وكتابُ اللهِ هو الفرقانُ الذي أنزلهُ على عبدِهِ ليكونَ للعالمينَ نذيراً. وسنتي أيّ طريقتي . ويقولُ أيضاً: (من رَغبَ عن سنتي فليسَ مني) أيّ : من حادَ عنها وتركها. وسُنـَّتـُهُ عليهِ السلامُ هي كُلُّ ما صَدَرَ عنهُ من قول ٍأو فعل ٍأو إقرارٍ أو هَمّ . ومنها الواجبُ والمندوبُ والمباحُ . ومنها نهيُهُ الجازمُ وهو الحرامُ، وغيرُ الجازم ِوهو المكروهُ . وكانت مواقِفهُ مبدئية ً، فمَا هادنَ , ولا داهنَ, ولا تنازلَ , ولا زلَّ, كانَ محلَّ الأسوةِ، وصاحبَ القدوةِ , وهذا موقفٌ عظيمٌ لصانع ِالمواقفِ العظيمةِ في الأوقاتِ العصيبةِ فالتزموا هُدَاهُ ( يا عَمُّ، واللهِ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أتركَ هذا الأمرَ ما تركتـُهُ حتى يُظهرَهُ اللهُ ،أو أهلـَكَ فيهِ ما ترَكتهُ). وأيُّ أمرٍ هذا إنهُ نفسُ الأمرِ الذي قالَ فيهِ ( سَيَبلغ ُهذا الأمرُ ما بلغ َالليلُ والنهار) والأمرُ هنا هو الإسلامُ، وأيُّ إسلام ٍ إنـَّهُ الإسلامُ بمجموعِهِ بعقيدتهِ المُتميزَةِ , المُتفردَةِ بالوحدانيةِ والربوبيةِ والتدبير، وما انبثقَ منها وعنها من أفكارٍ وأنظمةٍ مُجتمِعَةٍ ومعالجاتٍ محددةٍ ، غيرِ مجزأةٍ ولا أنصافِ حلول.
جاءنا الهادي عليهِ السلامُ بالإسلام ِالتامِّ والكامل ِ, منَ الكامل ِكمالاً مطلقاً جلَّ وعلا .
وصدق الله: (اليومَ أكملتُ لكم دينـَكُم، وأتمَمتُ عليكُم نعمتي، ورضيتُ لكُمُ الإسلامَ دينا{3}) المائده . فهل ِالتامُّ بحاجةٍ لإتمام، أوِ الكاملُ بحاجةٍ لإكمال لا وربِّي فلا تزيدوا عليهِ ما ليسَ منهُ، ولا تنسِبُوا إليهِ ما ليسَ فيه. إخوتي في اللهِ وأحبتي: يقولُ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ، وهذهِ من وصاياهُ ( لا تـُخزوني ) عُذراً أبا القاسم، أمَّة ُالإسلام ِاليومَ في ذكرى مولِدِكَ في كربٍ عظيم، وبلاءٍ جسيم ٍ، فلم تتعظ ، ولم تعتبر، وقد تركت حُكمَ اللهِ وسلطانـَهُ ظِهرياً، واتخذتْ من شياطين ِالإنس ِأنداداً وأعوانا. ومن وصاياهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : (خذوا عني مناسِكـَكُم) فالتزمنا مناسكَ الحج ِّوالعُمرة ِكما أمرَ . ومن وصاياهُ: ( صلوا كما رأيتموني أصلي) وها نحنُ قد وَقفنا بينَ يدي ِاللهِ راكعينَ وساجدينَ ، مُسبحينَ وحامدينَ ، نصلي كما بيَّنَ صاحبُ القدوة ِ, ومحلُّ الأسوة .ومن وصاياهُ: (عليكُم بسُنتي وسُّـنة َالخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ من بَعدي , عَضُّوا عليها بالنواجذِ . ومُحذراً ( إيَّاكم وَمُحدَثاتِ الأمورِ)
فقد وقعَتِ المحظوراتُ سيدي رسولَ اللهِ جبراً عني، بغير إقرارٍ مني ، لم أكن عوناً لظهورِها، بل، سَلكتُ للتغييرِ طريقـَكَ ، وللنهضةِ سبيلـَكَ ، ولن أحيدَ عنهُ قيدَ أ ُنمُلةٍ ، ولن أكونَ للخائنينَ خصيماً، أيّ: مخاصماً عنهم، مجادلاً للمحقين بسببهم . فقد ظهَرتِ المُحدَثاتُ والبدع ُ، من ديمقراطيةٍ ، واشتراكيةٍ، وأفكارٍ وثقافاتٍ غربيةٍ لا تـُمِتُّ للإسلام ِ بصلةٍ .
وصارَ للكافرينَ على المؤمنينَ سبيلٌ بعدَ غيابِ الإسلام ِوتقطيع ِأوصال ِالمسلمينَ، بظهورِ الرويبضاتِ ، وحُكم ِالصِبيان ِ، وولايةِ السفهاء ِ، فعُطـِّلَ شرع ُاللهِ ، حُرِّمَ حلالـُهُ، وأ ُحِلَّ حرامُهُ، وأبيحَ الربا، والصلحَ مَعَ يهودٍ، واحتـُكِمَ للطاغوتِ، وعطـِّلَ الجهادُ، وأُغلِقَ بابُ الإجتهادِ , بتقاعُسِهم عن الغايةِ الأسمى،ألا وهيَ نشرُالإسلام ِللناس ِأجمعين. ومن وصاياهُ: ( وَمَن ماتَ وليسَ في عُنقهِ بيعة ٌماتَ ميتة ًجاهلية ً) فأينَ خليفتـُكُمُ العادلُ لتبايعوهُ على السمع ِوالطاعةِ فتـَبرَأ َذمَّتـُكُم أيُّها المُسلمونومن وصاياهُ: ( لحدٌّ يقامُ في الأرض ِ خيرٌ من أن تمطروا أربعينَ خريفاً) فأينَ إمامُكـُم وجُنـَّتكُمْ،ليقاتلَ من ورائهِ ويُتقى بهِ، فيُقيمَ الحدودَ على مُستحقيها, لتكونَ زواجرَ وجوابرَ،فبها حياتـُكُم أيُّها المُسلمون ومن وصاياهُ: ( إذا بُويعَ لخليفتين ِفاقتلوا الآخِرَ منهما) خليفتانَ يحكمانَ بشرع ِاللهِ ، يٌقتلُ الثاني يا مُسلمون فكيفَ ببضع ٍوخمسينَ عبداً يحكمونَ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ فحرامٌ عليكُمُ السكوتُ عنهم ، أوِ الرضا بحكمِهم .ومن وصاياهُ : (من أرادَ أن يُفرقَ أمرَ هذهِ الأمةِ وهيَ جميعٌ فاضربوهُ بالسيفِ كائناً من كان) فالأمة ُاليومَ شذرَ مَذرَ كأيدي سبأ، ولن تجتمعَ إلاَّ بالخلافةِ . ومن وصاياهُ: (من استطاع َمنكم أن لا ينامَ نوماً، ولا يُصبحُ صُبحاً، إلاَّ وعليهِ إمامٌ فليفعل) ومن وصاياهُ أيضاً: (من جَعَلَ الهُمومَ همَّاً واحداً كفـَاهُ اللهُ ما أهمَّهُ من أمرِ الدنيا والآخرةِ ، ومن تشاعبَت بهِ الهُمومُ لم يُبال ِاللهُ في أيِّ أوديةِ الدنيا هلك). وصدقَ رسولُ اللهِ : ( من أصبحَ وهَمُّهُ غيرَ اللهِ ، فليسَ منَ اللهِ ، ومن أصبحَ لا يهتمَّ بالمسلمينَ فليسَ منهم ) أيها المسلمونَ , أيها الموحدون : آللهُ أمَرََكم بإنشاءِ حكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ تضمَّ تحتَ سقفها المسلمَ والنصرانيَّ والعلمانيَّ والشيوعي والمرجعية ُتكونُ برأي الأغلبية وصاحبُ الذكرى يُحذركم فيقول عنها : دعوها فإنها مُنتنة .وهل من هدي ِصاحبِ الذكرى صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه أن تـُحاكَ المؤامراتُ , بحقِّ فلسطينَ السليبةِ وأين في جوار بيت الله الحرام ِمرة ًليست بالبعيدةِ ومن الرياض ِتارة ًأخرى , لتكون الخياناتُ هناك بحقِّ بيتِ المقدس ِ, مَهدِ الأنبياء , ومَسرى النبيِّ الهادي صاحبِ الذكرى بدلَ أن يجتمعوا لتجييش ِجيوشهم , فيأمروا قواتهم بالقضاء على يهودَ الملاعين , فيجتثوهم من جذورهم , ويستأصوا شأفتهم , أما أن يقومَ شرذمة ٌقليلونَ يدَّعونَ تمثيلَ الأمةِ بمناشدةِ يهودَ واستجدائِهم القبولَ بالتطبيع ِالكامل معهم , وفي هذا تضييع ٌ لحقِّ المسلمين وخيانة ٌللأرض ِالمباركةِ الطهور . وإنها والله لخيانة ٌما بعدَها خيانة , وإجرامٌ بحقَّ مسرى نبيِّ اللهِ الهادي ما بعدَة ُإجرام
أيها الناس : آللهُ أمرَكم بالتطبيع ِمَع يَهود ألدِّ أعداءِ اللهِ في الأرض  آللهُ أمرَكم أن تجعلوا من الغاصبِ المحتل ِصاحباً للدارِ وتقوموا باستجدائِهِ ليرضى عنكم لا وربي , لا وربي , لا وربي .ما لكم كيف تحكمون  فلن يزيدكم يهودُ إلاَّ خبالا  فاتقوا الله في أنفسِكم , واتقوهُ في أعمالِكم , واتقوهُ في تصرفاتِكم , واتقوهُ في أفعالِكم , واتقوهُ واحذروا سطوتهُ وعذابَهُ , إن عذابَهُ أليمٌ شديد . ادعوا اللهَ وأنتم مُوقنونَ بالإجابةِ فيا فوزَ المستغفرينَ استغفروا الله .
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ ذي الطـَّول ِوالإنعام،أكرَمَنا بالإيمان ِ، وأنعمَ علينا بالإسلام ِ. والصلاة ُوالسلامُ على خيرِ الأنام، وخاتم ِالأنبياءِ والرسل ِالكِرام، صلاة ًدائمة ًطيبة ً مباركاً فيها، تليقُ بصاحبِ الذكرى . صلى اللهُ على مُحمدٍ ، صلى اللهُ عليهِ وسلم .وبعدُ أيُّها المُوَحِدون: ها أنتم وقد تلبَّستم بالصلاةِ والزكاةِ والصوم ِوالحجِّ وهي فرائضُ فردية ٌ، وتقاعستم عن فرائضَ شموليةٍ لا يَـقتصِرُ على الفردِ الواحدِ تعطيلـُهَا، بل يتعدى أمَّة َالإسلام ِ بمجموعِهَا وبوصفِها أمَّة .لم تكن هذهِ إلاَّ بعضٌ من وصايا العزيزِ الرؤوفِ الرحيم . فلا تخالفوا أمَرَهُ, ولا تحيدوا عن هداهُ, فقد كانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أحرصَ الناس ِعليكُم في حياتِهِ، وأرشَدَكُم لخيرِ أمركُم بعدَ مماتهِ،
فالوصية ُمنَ الفرائض، فقوموا فاعملوا مع العاملينَ لفرض ِالفروض ِوتاجهِ، ليرضى عنكم رَبُّكم،
ويشفعَ لكم نبيُّكُم، وتستغفِرَ لكم ملائكة ُالأرض ِوالسماء , فتفوزوا بالدارين . فاجعلوا من هذهِ الذكرى توبة ًإلى اللهِ وأوبَة ً, لِتـُحشروا مَعَ صاحبِ الذكرى. فكونوا منَ الغرباءِ الذينَ وجدوا كتاباً عَطـَّلهُ الناسُ وسُنـَّة ًأماتوها، فعَمِلوا على إحياءِ الكتابِ وإظهارِ السُّنةِ، لِتعُزُّوا وتسُودوا، وبهذا تكونونَ بحق ٍقد أحييتم ذكرى نبيِِّكـُم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ .اللهمَّ أعِد علينا الذكرى القادمة َوقد رُفعت راية ُالعُقابِ خفاقة ًفوقَ قبةِ الفاتيكان ِوالبيتِ الأبيض ِوالكرملين والكنيست ، وقد حُررت وطهِّرَت، وسائرَ بلادِ المسلمين، لِيَعُمَّ الأرضَ كلَّ الأرض ِالأمنُ والأمان، والعدلُ والإحسانُ. إنكَ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه. ويقولونَ متى هو قل عسى أن يكونَ قريباً.
عبادَ اللهِ : إرفعوا إلى السماءِ أكفـَّكُم ، وأخرجوا حُبَّ الدنيا من نـُفوسِكُم، واربـِطُوا بربِّ العبادِ قلوبَكُم ، فالساعة ُساعة َإجابةٍ فـَأمِّنوا من بعدي:أللهمَّ خيرَ من سُئِل، وخيرَمن أجاب، نسألـُكَ ربَّنا أنْ تعجِّلَ بنصرِكَ المؤزرِالمبين، وأنْ تـُمكنَ لنا في الأرض ِكما وعدتنا، وأن تخلِصَنا من حُكامِنا الأشرار، وزعمائِنا الفجَّار، وأمرائِنا الخـُوَّار، ولا تـُآخذنا مولانا بما فعلَ السفهاءُ منا، ولا تجعل مصيبتـَنا في ديننا، وأنعِمَ علينا بحاكم ٍمنـَّا، يُقاتِلُ بسيفِنا، ويحفظُ بيضَتـَنا، ويُصلحُ أمرَنا، يرفعُ لواءَ الحقِّ، ولسانَ الصدق ِ، نرضى عنهُ، ويرضى عنـَّا، ونبلغُ بهِ ومَعَهُ غايتنا .
أللهمَّ نصركَ اللهمَّ دينك ، اللهمَّ أعزِّنا بالإسلام ِ، وأعزَّ الإسلامَ بنا، وأعزَّ الإسلامَ بقيام ِدولةِ الإسلام ، وأعزَّ دولة َالإسلام ِ بالجهاد، ليُعَزَّ بها كلُّ عزيز، ويُذلَّ بها كلُّ ذليل، واجعلنا اللهمَّ وإياكُم شهداءَ يومَ قيامها ، واجعلنا اللهمَّ مِمَّن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنهُ ، أللهمَّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات، إنكَ مولانا قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعْوات . وآخرُدعوانا أن ِالحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاة ُوالسلامُ على إمام ِالمتقينَ وسيدِ المرسلينَ محمدٍصلى اللهُ عليهِ وسلمَ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين ، ومن استنَّ بهديهِ، وسارَ على نهجهِ إلى يوم ِالدين . قوموا إلى صلاتكم يرحمني وإياكمُ الله .

الاثنين، 11 أغسطس 2014

مقاصد الشريعة الإسلامية

 مقاصد الشريعة الإسلامية
مقاصد الشريعة هي اسم ولقب ولعلم وفن من فنون الشريعة الإسلامي وهذا الاسم يتركب من لفظين: (لفظ: مقاصد، لفظ: الشريعة). ولتعريف هذا الاسم المركَّب، أو هذا اللقب العلمي الشرعي يجب تعريف كل من لفظيه اللذين ركب منهما، وهما (لفظ مقاصد، لفظ الشريعة).
تعريف المقاصد لغة:المقاصد: جمع مقصد، والمقصد: مصد ميمي مشتق من الفعل قصد، فيقال: قصد يقصد قصداً ومقصداً. وعليه فإن المقصد له معان لغوية كثيرة منها:
1- الاعتماد والتوجه واستقامة الطريق. قال تعالى: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ...} (النحل: 9).
2- التوسط وعدم الإفراط والتفريط قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ...} (لقمان: 19). وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم –: "القصدَ القصدَ تبلُغُوا". (أخرجه البخاري في كتاب الرِّقاق).
تعريف الشريعة لغة:الشريعة تُطلق في اللغة على مورد الماء ومنبعه ومصدره. كما تُطلق على الدِّين والملَّة والطريقة والمنهاج والسنة. والشريعة والشرع والشِّرْعة بمعنى واحد.
ووجه إطلاق الشريعة على منبع الماء ومصدره أن الماء مصدر حياة الإنسان والحيوان والنبات، وأن الدين الإسلامي مصدر حياة النفوس وصلاحها وتقدمها وسلامتها في الدنيا والآخرة.فالشريعة الإسلامية مصدر كل الخير والرخاء والسعادة في العاجل والآجل، في المعاش والمعاد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ...} (الأنفال: 24).
تعريف لفظ الإسلامية:لفظ الإسلامية مشتق من كلمة الإسلام، والإسلام لغة: الانقياد والاستسلام لله سبحانه تعالى بتوحيده وعبادته والامتثال إلى أوامره واجتناب نواهيه. وإطلاق الإسلامية على المقاصد دليل على أن هذه المقاصد مستندة إلى الإسلام، منبثقة منه ومتفرعة عنه، وليست مستقلة عنه أو مخالفة له.
التعريف الاصطلاحي لمقاصد الشريعة الإسلامية:لم يوجد عند العلماء الأوائل تعريف واضح أو محدد أو دقيق لمقاصد الشريعة، وإنما وجدت كلمات وجُمل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها، وببعض تعبيراتها ومرادفاتها، وبأمثلتها وتطبيقاتها، وبحجيتها وحقيقتها. فقد ذكروا الكليات المقاصدية الخمس (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل أو النسب والمال) وذكروا المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية. وذكروا بعض الحكم والأسرار والعلل المتصلة بأحكامها وأدلتها. وذكروا أدلة من المنقول والمعقول الدالة على حقية المقاصد وحجيتها، ووجوب مراعاتها والاعتماد عليها بشروط معينة وضوابط مقررة، وبدون الخروج عن الشرع أو معارضة أدلته ومصادمة تعاليمه وقواعده وأصوله. كما أنهم عبروا عن المقاصد بتعبيرات كثيرة دلت في مجملها بالتصريح والتلميح والتنصيص والإيماء على التفات هؤلاء الأعلام إلى مراعاة المقاصد واستحضارها في عملية فهم النصوص والأحكام والاجتهاد فيها والترجيح بينها.
ومن تلك التعبيرات والاشتقاقات:المصلحة والحكمة والعلة والمنفعة والمفسدة والأغراض والغايات والأهداف والمرامي والأسرار والمعاني والمراد والضرر والأذى وغير ذلك مما هو مبعوث في مصادره ومظانه.
تعريف العلماء المعاصرين للمقاصد: حظيت مقاصد الشريعة في العصر الحديث بعناية خاصة من قبل العلماء والباحثين؛ وذلك لأهميتها ودورها في عملية الاجتهاد الفقهي، وفي معالجة قضايا الحياة المعاصرة في ضوء الأدلة والنصوص والقواعد الشرعية، وكان من ضروب هذا الاعتناء تدوين المقاصد وتأليفها واعتبارها علماً شرعياً وفناً أصولياً له ما لسائر العلوم والفنون من تعريفات ومصطلحات وتقسيمات وغير ذلك.
وقد وردت عدة تعريفات لهذا العلم نوردها فيما يلي:
1- عرَّفها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بأنها: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلوا التشريع عن ملاحظتها... ويدخل في هذا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها. (مقاصد الشريعة لابن عاشور ص 51).
2- عرفها الفاسي بقوله: المراد بمقاصد الشريعة الإسلامية: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها. (مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ص 3).
3- عرفها الريسوني بقوله: إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد. (نظرية المقاصد عند الشاطبي، د.أحمدالريسوني ص 7).
4- عرفها الدكتور محمد بن سعد بن أحمد بن سعود اليوبي: المقاصد هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموماً وخصوصاً من أجل تحقيق مصالح العباد. (مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية ص 37).
5- عرفها فتحي الدريني: وهي القسم التي تمكن وراء الصيغ والنصوص، ويستخدمها التشريع كليات وجزئيات. (مقاصد المكلفين عند الأصوليين، 1/35).
6- عرفها د.مصطفى بن كرامة الله مخدوم بقوله: المقاصد وهي المصالح التي قصدها الشارع بتشريع الأحكام. (قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية ص34).
7- التعريف المختار لنور الدين الخادمي: المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها سواء أكانت تلك المعاني حكماً جزئية أم مصالح كلية ام سمات إجمالية وهي تتجمع ضمن هدف واحد، هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين. (الإجتهادالمقاصدي حجيته، ضوابطه مجالاته 1/52-53).
الخلاصة:إن المقاصد الشرعية هي جملة ما أراده الشارع الحكيم من مصالح ترتيب على الأحكام الشرعية، كمصلحة الصوم والتي هي بلوغ التقوى، ومصلحة الجهاد والتي هي رد العدوان والذب عن الأمة، ومصلحة الزواج والتي هي غض البصر وتحصين الفرج وإنجاب الذرية وإعمار الكون. وهذه المصالح كثيرة ومتنوعة، وهي تجتمع في مصلحة كبرى وغاية كلية: هي تحقيق عبادة الله، وإصلاح المخلوق، وإسعاده في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ...} (النحل: 36).
صلة المقاصد ببعض المصطلحات الأصولية:
للمقاصد صلة ببعض المصطلحات الأصولية كمصطلح العلة والحكمة والمصلحة وسد الذرائع.
صلة المقاصد بالعلة: العلة لغةً: المرض. أما العلة اصطلاحاً: فتطلق على الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل من ترتيب عليه مصلحة. ومثاله: الإسكار، فهو وصف ظاهر منضبط ترتب عليه حكم التحريم عليه مصلحة حفظ المال والعقل.
ومثاله كذلك: السفر، فهو وصف ظاهر منضبط، ومعنى كونه ظاهراً ليس خفياً، ومعنى كونه منضبطاً: لا يتغير بغير الأشخاص ولا الأحوال ولا الظروف. والحكم المترتب على السفر هو قصر الصلاة، والإفطار في الصوم، والمسح على الخفين. والمصلحة من كل ذلك هي رفع الحرج عن المكلف والتخفيف عنه.
الخلاصة: إن العلة هي الوصف المُعرِّف للحكم والمؤدي إليه، كالإسكار فإنه يؤدي إلى التحريم لمصلحة حفظ العقل والمال، والسفر يؤدي إلى القصر والإفطار والمسح لمصلحة رفع المشقة والحرج، والسرقة تؤدي إلى قطع اليد لمصلحة حفظ المال، والزنى يؤدي إلى الجَلْد أو الرجم لمصلحة حفظ الأنساب والأعراض، والعقل العَمْد العدوان يؤدي إلى القصاص لمصلحة حفظ النفس.
ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: الغياب عن المحاضرات. الغياب عن المحاضرات سبب لوقوع الحرمان من الاختبار. ويعتبر تأديب الطلاب وحثهم على حضور المحاضرات والاستفادة منها هو مقصد ذلك الحكم، أي أن المصلحة تتمثل في ذلك، إذ لو لم يحرم الطالب المتغيِّب من الامتحان لَتخلَّف الطلاب، ولتأخروا عن الحضور، ولفاتهم تحصيل العلم المفيد. بناءً على ما ذكر تكون العلة هي سبب الحكم وسبيله الذي يؤدي إليه، وتكون المقاصد هي المصالح المترتبة على الحكم المبني على العلة.
صلة المقاصد بالحكمة:
الحكمة: هي ما يترتب على التشريع من جلب مصلحة وتكميلها، أو دفع مفسدة وتقليلها. (مباحث العلة في القياس ص105). وتطلق الحكمة أحياناً على المقصد الجزئي كحكمة منع بيع المعدوم، وهي نفي الجهالة وإبعاد الغرر والضرر عن المشتري، وحكمة النظر إلى وجه المخطوبة، وهي حصول الألفة وإدامة العِشرة وتحقيق الارتياح لضمان النجاح وإدراك الفلاح. كما تطلق الحكمة للدلالة على المقصد الكلي أو المصلحة الإجمالية كمصلحة حفظ النفس، وتحقيق التيسير ورفع الحرج، وتقرير عبادة الله والامتثال إليه، فنقول بأن الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الشرائع هي: عبادة الله واجتناب الطاغوت، ونعني بتلك الحكمة جملة المصالح العامة والمقاصد الكلية. وبناءً على ما ذكر فإن الحكمة والمقاصد يتردفان ويتماثلان في الإطلاق والتعبير في أغلب الأحيان.
صلة المقاصد بالمصلحة:
المصلحة كالمنفعة وزناً ومعنى، وهي ضد المفسدة والمضرة، ويُعبَّر عنها بالخير والشر، بالنفع والضرر، بالحسنات والسيئات. يقول عزالدين بن عبدالسلام: المصالح هي اللذات وأسبابها. والمفاسد: الآلام وأسبابها أو الأضرار وأسبابها، فتكون المصلحة متمثلة في درء الآلام والأضرار وما يوصل إليها. (قواعد الأحكام في مصالح النام للعز بن عبدالسلام 1/10).
أنواع المصلحة:
تتنوع المصالح تنوعات كثيرة باعتبارات وحيثيات كثيرة، والذي يهمنا في هذا العرض الموجز الاقتصار على التركيز على نوعيها باعتبار موافقتها للشرع ومخالفتها له، إذ تقسم بهذا الاعتبار إلى المصالح الشرعية والمصالح غير الشرعية.
1-المصالح الشرعية: وهي المصالح التي تستند إلى الشرع وتنبثق منه وتتفرع عنه، ولا تعارض نصاً ولا دليلاً ولا إجماعاً. ومثالها: مصلحة حفظ الدين بإقامة شعائره وفرائضه وإحياء معالمه وتعاليمه، وكذلك مصلحة حفظ العرض بمنع الزنا والخلوة والنظر بشهوة ومعاقبة الزناة والشاذِّين. ومن خاصيات المصلحة الشرعية أنها غير محددة بالدنيا أو المتاع المادي واللذة الجسدية كما هو الحال في المجتمعات المادية والإباحية والدهرية والعبثية، بل إن تلك المصلحة تشمل الدنيا والآخرة وتشمل الجسد والروح والفرد والمجتمع.
2-المصالح غير الشرعية: وهي المصالح التي لا تستند إلى الشرع ولا تنبثق منه، وإنما تُحدَّد في ضوء نزوات النفس وأهواء العقل وميول الغرائز، فليس لها ضابط ولا رابط، وليس لها حدود ولا قيود، كما أنها تنصبُّ في الاقتصار على منافع الدنيا وإمتاع الجسد بمختلف اللذائذ والمنافع وإشباع الذات، ولو على حساب الآخرين، فهي إذاً مصلحة ذاتية وجسدية دنيوية وظرفية لا تمتد إلى عالم الآخرة والجزاء.
صلة المقاصد بالمصلحة:
يتبن مما ذكرنا أن المصالح الشرعية هي مقاصد الشارع ومراده، أي أن الشارع قد قصد تلك المصالح وأراد تحصيلها بالنسبة للمكلف من خلال القيام بالأحكام الشرعية، فالقيام بالفرائض والتعاليم الدينية يؤدي إلى تحقيق مصالح عبادة الله وجلب مرضاته والفوز بجنَّاته وإراحة وطمأنة نفس المكلف. وهذه المصالح التي قصدها الشارع تعود على المكلف وتؤول إليه، وليس تؤول إلى الله؛ لأننا إذا قلنا بذلك وقعنا في وصف الخالق بالسعي إلى الأغراض التي هي من صفات النقص، والله متنزه عن ذلك، ومحالٌ أن يتصف الله بالنقص والسعي إلى الكمال، فهو سبحانه المتصف بجميع صفات الكمال. وعليه فإن المقاصد هي نفسها المصالح الشرعية. أما المصالح غير الشرعية فالمقاصد تأباها وتعارضها والأدلة الشرعية تمنعها وتبعدها وتدفعها.
صلة المقاصد بسد الذرائع:
تعريف الذرائع: هي جمع ذريعة، والذريعة هي الوسيلة إلى الشيء.
معنى سد الذرائع: منع ما يجوز حتى لا يتوصل به إلى ما لا يجوز، وقد قال جمهور العلماء: إنها أصل شرعي يعمل به ويعول عليه في معرفة الأحكام واستنباطها.
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات حدائق المعرفة التواتية http://www.hadaik.com/vb/showthread.php?t=15192
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات حدائق المعرفة التواتية http://www.hadaik.com/vb/showthread.php?t=15192
أمثلتها:
1- الخلوة بالأجنبية ذريعة إلى الزنا، لذلك حرمت.
2- بيع السلاح زمن الحرب، وسيلة إلى زيادة الفتنة والقتل والتخريب، لذلك منع.
3- البيع وقت الجمعة وسيلة لترك الجمعة، لذلك نهي عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة: 9).
4- النظر بشهوة وسيلة إلى الزنا ودواعيه، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم –: "النظرة سهم من سهام الشيطان".
5- كثرة السهر ذريعة للتأخير عن المحاضرات وتفويت التحصيل العلمي وحصول التوتر والاضطراب والقيادة الفوضوية وغير ذلك مما يسبب الكثير من الفساد والاضطرابات النفسية والجسدية والاجتماعية.
علاقة المقاصد بالذرائع:
يمكن أن نبرز هذه العلاقة فيما يلي:
أ‌- سد الذرائع في نفسه مقصد من مقاصد الشريعة أكدته وذكرته نصوص شرعية كثيرة منها قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ...} (الأنعام: 108). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 104). فكلمة راعنا عند اليهود سبة وشتيمة؛ لذلك نهام الله سبحانه وتعالى عن قولهم هذا عند مخاطبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لمنع ذريعة النيل من الرسول – صلى الله عليه وسلم –.
ب‌- سد الذرائع: هي سد الوسائل المفضية إلى تعطيل المقاصد وتضييعها.
والوسائل نوعان:
1- الوسائل التي يجب سدها وهي ما عبرنا عنه بسد الذرائع.
2- الوسائل التي يجب فتحها وهي المعبر عنها بفتح الذرائع، أي فتح الطرق والسبل التي تؤدي إلى تحقيق المصالح والمنافع.
أمثلتها:
1- إعلان الأذان طريق إلى الإعلام بدخول وقت الصلاة، والحث على القيام بها.
2- نشر العلم طريق إلى تعليم الناس أحكام دينهم، ومعرفة ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
3- تيسير الزواج وتقليل المهور طريق إلى التعفف والتحصين، والابتعاد عن الشذوذ والانحراف.
4- تخفيف السرعة وملازمة اليمين والبعد عن التهور والحذر سبيل السلامة والوقاية من الحوادث والمهالك. ولذلك قال العلماء: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
موضوع مقاصد الشريعة:
موضوع أي علم يتناول مادته وماهيته وحقيقته ومحتواه، أي جملة الموضوعات والمسائل التي يتضمنها ويتعلق بها. فموضوع العقيدة هو التوحيد والتصديق بالمُسلَّمات والغيبيات الإيمانية التي وردت في الكتاب والسنة. وموضوع الفقه هو بيان أحكام الحلال والحرام، والواجب والمستحب والمكروه، وكذلك أدلتها التفصيلية من الآيات والأحاديث والسنن وتفاسير وأقوال العلماء والترجيح بينها. وموضوع علم الأصول هو القواعد الإجمالية والمبادئ الكلية والمصادر التشريعية العامة التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام واستخراجها؛ لذلك سمي على أصول الفقه بعلم الاستنباط والاستخراج.
وموضوع علم الهندسة الوراثية هو بيان ودراسة الخصائص الوراثية وتعديلها والتحكم فيها لأغراض صحية واقتصادية وبيئية، بصرف النظر عن شرعيتها وعدمها معلوم أن من الهندسة الوراثية ما هو مباح وجائز، وما هو حرام ومحظور، بحسب قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية. فموضوع مقاصد الشريعة: هو بيان وعرض حِكَم الأحكام، وأسرار التشريع، وغايات الدين، ومقاصد الشارع، ومقصود المكلف ونيته، وغير ذلك مما يندرج ضمن ما أصبح يعرف حالياً بمقاصد الشريعة التي أصبحت علماً شرعياً، وفناً من فنون الشريعة الإسلامية، وضرباً من ضروبها، وشرطاً من شروط فهمها وتعقلها وتطبيقها والاجتهاد في ضوئها، بل إن المقاصد يتزايد الاهتمام بها يوماً، بعد يوم بحثاً وتأليفاً، تحقيقاً وتعليقاً، تنظيراً وتدويناً. الأمر الذي أدى بكثير من الباحثين والدارسين إلى الدعوة إلى تأسيس نظرية متكاملة في علم المقاصد يرتكز موضوعه على بحث المصالح الشرعية من حيث تعريفها، وأمثلتها، وحجيتها، وحقيقتها، وأنواعها، ووسائلها، وآثارها وعلاقتها بالأدلة، وصلتها بالواقع، وموقفها من العقل، وغير ذلك مما يتعلق به موضوع هذا الفن الجديد.
مثال ذلك:
البيع مشروع لمصلحة الانتقاع بالعوضين، وهذه المصلحة ضرورية؛ لأن الحياة تقوم عليها؛ لذلك حُرم الاحتكار؛ لأن الاحتكار يعطل أقوات الناس وأطعمتهم. ثم إن هذه المصلحة عامة تتعلق بكل إنسان، أما الاحتكار فهو مصلحة خاصة تنفع المحتكر فقط على حساب الناس، فيكون الاحتكار ممنوعاً لكونه مصلحة عامة، والقاعدة تقول: (بأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة).
ومصلحة البيع مصلحة حقيقية؛ لأن نفعه عائد على جميع الناس بتراض وعدل، بخلاف الربا الذي وإن كانت فيه مصلحة فهي مصلحة فردية تعود على المُرابي فقط على حساب الأغلبية المستضعفينوالمغلوبين، ثم إن مصلحة الربا في نظر الشارع مصلحة وهمية، خيالية، مغلوبة، ومرجوحة باطلة، ومردودة؛ لذلك لما تؤول إليه من الغُبن وبخس الناس أشياءهم، وأكل اموالهم، وتعميق الفوارق بينهم، وخدش الوحدة والمودة والتضامن بينهم، لذلك وصف الله الربا وصفاً شنيعاً وأعلن الحرب على أهله، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ...} (البقرة: 276). وقال تعالى: {...فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ...} (البقرة: 279). فنظر المجتهد في هذه المصالح وفي كونها حقيقة وخيالية أو عامة وخاصة، وفي علاقتها بأدلتها الشرعية في إفضائها إلى مراد الشارع ومقصوده، كل ذلك يعد من صميم موضوع هذا العلم الشرعي المفيد.

السبت، 28 يونيو 2014

إمساكية رمضان لولاية أدرار والمدن المرتبطة بها لسنة 1435ه / 2014م


رمضان التهيؤ النفسي والتخطيط العملي

رمضان التهيؤ النفسي والتخطيط العملي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فما هو إلا يوم معدود، ويظل الأمة الإسلامية شهر كريم، وموسم عظيم، فتلبس لباس التقوى، وتظهر شعار الإسلام والعبودية لله رب العالمين.
رمضان.. درة الشهور، وزينة العام؛ مدرسة إيمانية، تربوية، تعبدية، اجتماعية. وصوم رمضان.. أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وأحد محاسن الشريعة،
ودلائل صحتها، وموافقتها لمصالح العباد، وانسجامها مع الفطرة. فمع تكرار رمضان كل عام، ومنافاته لشهوات النفس، تظل النفوس المؤمنة تهفو إليه،
وتترقب حلوله، وتتنعم بصيامه وقيامه.
قال ابن القيم رحمه الله: (المقصود من الصيام: حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛
لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسَوْرتها،
ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الطعام والشراب) إلى أن قال: (والمقصود أن مصالح الصوم لمّا كانت مشهودة بالعقول السليمة،
والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده؛ رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم، وحميةً لهم وجنة (1).
وكثير من الناس يتلهف لإدراك شهر رمضان، ويأسى على من أدركه الأجل قبل دخوله، وهو صادق في شعوره، لكن سرعان ما تنفثئ هذه الفقاعة الكبيرة،
وتبرد هذه السَّوْرة العاطفية، خلال أيام معدودة من أيام رمضان الأولى!
ولا شك أن للطبيعة البشرية دورًا في هذا التراجع، لكن جزءًا من تفسير هذه الظاهرة، يرجع -فيما نرى- إلى أمرين:
أحدهما: عدم التهيؤ النفسي، والتكيف الوجداني التام لاستقبال شهر رمضان؛ وذلك بإجالة النظر في النصوص القرآنية والنبوية في فضائل شهر رمضان،
والتأمل في آثاره العاجلة والآجلة، والتفكر في مقاصد رمضان وثمراته. فإذا امتلأت النفس بهذه المعاني، صار ذلك وقودًا وذخيرة، يمدها إلى آخر الشهر،
ويغذيها بالعزيمة، والثبات، والاستقامة.
قال ابن رجب رحمه الله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، كما خرّجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه،
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه، يقول: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان،
وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم»
. قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان (2).
قلت: هذا الحديث أصل في تهيئة النفس لصيام رمضان.
الثاني: عدم التخطيط العملي، والتصور التفصيلي لتنفيذ الأعمال، فتتبخر الأماني، وتتبدد الأحلام؛ بسبب عدم وضع خطة واضحة ممكنة،
لليوم والليلة. فينبغي للمؤمن الجاد تحديد أهداف واضحة، والتزام برنامج متوازن، حازم؛ لاغتنام شهر رمضان الكريم، ومن ذلك على سبيل المثال:
1-
 المحافظة على الصلوات، والرواتب، والتبكير إلى المساجد، فور سماع النداء.
2-
 الالتزام بحزب معين من تلاوة القرآن، وتحديد عدد ممكن من الختمات.
3-
 اعتماد تفسير معتبر للقرآن؛ للرجوع إليه بغرض الفهم والتدبر.
4-
 الائتمام بإمام حسن التلاوة، مطمئن الصلاة، في التراويح والقيام.
5-
 تعيين مبلغ من المال لإخراجه في رمضان، على سبيل الزكاة أو الصدقة.
6-
 الترتيب المبكر لعمرة في رمضان.
7-
 التخفف من الشواغل الثانوية، والتوفر لتحقيق المقاصد الرمضانية.
وهكذا، فإن تحضير الذهن، وشحذ العزم، مع الاستعانة بالله، يحصل به المقصود، كما وصّى نبينا صلى الله عليه وسلم، بقوله:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز» (رواه مسلم.
بلغنا الله وإياكم رمضان، وأعاننا فيه على الصيام والقيام، ومنَّ علينا بالقبول والغفران والعتق من النيران، والفوز بالجنان.. إنه وليّ ذلك، والقادر عليه.